لاتحاد الأوروبي يوافق على مراجعة اتفاق الشراكة مع الجزائر

أعلن الاتحاد الأوروبي اليوم الاثنين قبوله بمراجعة اتفاق الشراكة المبرم مع الجزائر والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2005، في خطوة لافتة نحو إعادة تقييم العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.
جاء هذا الإعلان من قبل سفير الاتحاد الأوروبي في الجزائر، دييغو ميلادو، خلال اجتماع عقد في الجزائر العاصمة، حيث تم التركيز على الدور الحيوي للمناطق الاقتصادية الخاصة في جذب الاستثمارات المتبادلة. هذه المراجعة تُعد خطوة مهمة في مسار العلاقات بين الجزائر وبروكسل، حيث تطالب الجزائر منذ سنوات بإعادة النظر في هذا الاتفاق الذي وصفته بـ “غير المتوازن” والذي ألحق خسائر مالية كبيرة بالاقتصاد الجزائري.
منذ توقيع اتفاق الشراكة في عام 2002، ومن ثم دخوله حيز التنفيذ في 2005، وجهت الجزائر عدة انتقادات لهذا الاتفاق الذي كان يُنظر إليه من قبل العديد من الخبراء كاتفاق لا يتماشى مع متطلبات اقتصاد الجزائر، حيث وصفته الحكومة الجزائرية بـ “الغير متوازن” مشيرة إلى أن تأثيراته الاقتصادية كانت سلبية. وكانت الجزائر قد قدرت خسائرها الناتجة عن هذا الاتفاق بأكثر من 30 مليار دولار نتيجة لشروطه المجحفة التي ساهمت في فتح الأسواق الجزائرية أمام السلع الأوروبية دون أن توفر الحوافز الضرورية للمؤسسات الجزائرية لمنافسة نظيراتها الأوروبية.
تضمن الاتفاق في طياته التفكيك التدريجي للتعريفات الجمركية بين الطرفين، مما تسبب في تحديات كبيرة للشركات الجزائرية سواء كانت حكومية أو خاصة. خصوصا أن الاقتصاد الجزائري كان يعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز،
لكن القرار الأوروبي بقبول مراجعة هذا الاتفاق جاء في سياق التغيرات التي عرفتها الجزائر بعد 2019، وقيامها بإصلاحات واسعة في جميع القطاعات لإعادة تنشيطها، وأيضا تزامنت مع التغيرات السياسية والجيوسياسية العالمية. في السنوات الأخيرة، حيث شهد الاتحاد الأوروبي تحولات هامة في علاقاته مع عدد من القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، فضلاً عن النزاع المستمر مع روسيا نتيجة الحرب في أوكرانيا. هذه التحولات ألقت بظلالها على الاتحاد الأوروبي، مما دفعه إلى إعادة تقييم استراتيجياته مع مختلف دول العالم، ومنها الجزائر، التي تحولت إلى لاعب اقتصادي أساسي في المنطقة.
وأشار السفير دييغو ميلادو إلى أن “الوقت قد حان لإعادة النظر في الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر بعد مرور 20 عامًا على دخول الاتفاق حيز التنفيذ”، موضحًا أنه لا بد من تحديث هذه العلاقات بما يتماشى مع الحقائق الجيوستراتيجية الجديدة والتحديات الاقتصادية العالمية.
نهضة إقتصادية في جميع القطاعات ورغبة في شراكة عادلة
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي قد قبل بمراجعة الاتفاق بعد عقود من مقاومته، فإن الجزائر تدير مفاوضاتها من موقع قوة، لا سيما في ظل التحولات التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة. فبفضل جهودها في تنويع اقتصادها، لم تعد الجزائر تعتمد فقط على صادرات النفط والغاز، بل وسّعت نطاق صادراتها لتشمل المنتجات الزراعية، المعادن، والإسمنت، والمواد الغذائية. وبالتالي، تضع الجزائر الآن شروطًا جديدة لاستعادة التوازن في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بما يتناسب مع مصالحها الوطنية.
أوضح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة أن مراجعة الاتفاق لا تأتي بسبب نزاع أو خلافات مع الاتحاد الأوروبي، بل بناءً على “معطيات اقتصادية واقعية” تفرضها التغيرات التي شهدتها الجزائر على مدى السنوات الماضية، بما في ذلك تنويع الاقتصاد وإعادة إحياء عدد من القطاعات الاستراتيجية مثل الصناعة والزراعة. وقال تبون إن الجزائر تسعى إلى شراكة عادلة مع الاتحاد الأوروبي تستند إلى مبدأ “رابح – رابح”، بدلاً من كونها مجرد سوق استهلاكية للسلع الأوروبية.
إعادة تقييم الاستثمارات الأوروبية: الجزائر تطالب بتعويضات على الخسائر
من جانبها، لا تثق الجزائر في الوعود الأوروبية بشأن تعزيز الاستثمارات في البلاد، خاصة بالنظر إلى الأرقام المقلقة التي كشف عنها وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، حيث أظهرت البيانات أن الاستثمارات الأوروبية في الجزائر لم تتجاوز 13 مليار دولار على مدار 20 عامًا. وتبين أن 12 مليار دولار من هذه الاستثمارات قد تم تحويلها إلى أوروبا على شكل أرباح، في حين أن حجم المبادلات التجارية بين الطرفين بلغ نحو تريليون دولار، وهو ما يطرح تساؤلات حول التزام الاتحاد الأوروبي بالشروط التي ينص عليها الاتفاق.
علاوة على ذلك، أكد الخبراء أن الاتحاد الأوروبي لم يلتزم بما كان متفق عليه فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا إلى الجزائر أو توطين الاستثمارات في البلاد. وبالرجوع إلى توقيع الاتفاق في عام 2002، فإن الجزائر كانت تمر بظروف اقتصادية صعبة، ولكن الوضع الحالي يختلف تمامًا، حيث شهدت الجزائر نموًا اقتصاديًا كبيرًا جعلها تتطلع إلى علاقات اقتصادية أكثر توازنًا.
المفاوضات القادمة: نحو علاقة تضمن “الرابح – الرابح”
مع بداية العام 2025، من المتوقع أن تكون هناك مفاوضات جديدة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لتعديل الاتفاق بما يتماشى مع المصالح المتبادلة. الجزائر تسعى إلى شراكة أكثر تكافؤًا تسهم في تعزيز قطاعها الصناعي، بالإضافة إلى حماية الإنتاج المحلي، مع النظر بعين الاعتبار إلى التطورات في الاقتصاد الوطني وموقع الجزائر الجيوستراتيجي كداعم رئيسي للطاقة والمصادر الطبيعية.
الجزائر اليوم لا تقبل أن تُعتبر مجرد سوق استهلاكية للسلع الأوروبية، بل تسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بما يعود بالنفع على كلا الطرفين، ويضمن تطوير الاقتصاد الجزائري في جميع القطاعات.